الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وتوفي القاضي ولي الدين أبو اليمن محمد بن قاسم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد القادر الشيشيني الأصل المحلي الشافعي المعروف بابن قاسم في يوم الجمعة سابع عشر صفر. وكان فيه خفة روح ودعابة ونادم الملك الأشرف برسباي ونالته السعادة. وكان أولًا يلي الحكم بالمحلة وغيرها فلما تسلطن الملك الأشرف قربه ونادمه لصحبة كانت بينهما قديمة ثم استقر شيخ الخدام بالحرم النبوي إلى أن طلبه الملك الظاهر جقمق وصادره ثم نادمه بعد ذلك إلى أن مات. وكان دينًا خيرًا إلا أنه كان مسيكًا جماعًا للأموال وكان سمينًا جدًا لا يحمله إلا الجياد من الخيل. وتوفي الأمير سيف الدين قراخجا بن عبد الله الحسني الظاهري الأمير آخور الكبير بالطاعون في يوم السبت ثامن عشر صفر وتوفي ولده أيضًا في اليوم المذكور فجهزا معًا من الغد وحضر السلطان الصلاة عليهما بمصلاة المؤمني ودفنا بالصحراء. وكان أصل قراخجا المذكور من مماليك الملك الظاهر برقوق وتأمر بعد أمور وقعت له بعد موت الملك المؤيد شيخ وصار من جملة رؤوس النوب ثم نقله الملك الأشرف بعد سنين إلى إمرة طبلخاناه ثم صار رأس نوبة ثانيًا ثم مقدم ألف بالديار المصرية إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق وجعله رأس نوبة النوب بعد الأمير تمراز القرمشي بحكم انتقاله إلى الأمير آخورية. ثم نقل قرا خجا بعد أشهر إلى الأمير آخورية بعد تمراز أيضًا فدام على ذلك حتى مات. وكان أميرًا جليلًا شجاعًا مقدامًا معظمًا في الدول عارفًا بأنواع الفروسية رأسًا في ذلك مع العقل والديانة والصيانة والحشمة والوقار وكثرة الأدب وهو أحد من أدركنا من الملوك العقلاء الرؤساء رحمه الله تعالى وهو صاحب المدرسة بالقرب من قنطرة طقزدمر خارج القاهرة. وتوفي السيد الشريف أبو القاسم بن حسن بن عجلان الحسني المكي المعزول عن إمرة مكة قبل تاريخه وكان قدم صحبة الحاج ليسعى في إمرة مكة فأدركته منيته بالقاهرة بالطاعون في ليلة الاثنين العشرين من صفر وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني من تحت القلعة. وتوفيت زوجة السلطان الملك الظاهر جقمق خوند نفيسة بنت الأمير ناصر الدين بك بن دلغادر بالطاعون في يوم الثلاثاء حادي عشرين صفر. وتوفي الأمير سيف الدين بختك بن عبد الله الناصري أحد أمراء العشرات بالطاعون في يوم الأربعاء ثاني عشرين صفر وكان لا بأس به. وتوفي الأمير ملغباي طاز بن عبد الله الساقي الظاهري بعد أن تأمر بنحو العشرة أيام في يوم الأربعاء ثاني عشرين صفر وكان من مماليك الملك الظاهر جقمق الأجلاب وأحد خواصه وكان لا ذات ولا أدوات. وتوفي الشيخ الإمام العالم المعتقد محمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن سلطان المعروف بالشيخ محمد بن سلطان الغزي الأصل المصري الدار والوفاة الشافعي في يوم الأحد سادس عشرين صفر وكان الناس فيه على قسمين: ما بين معتقد ومنتقد والأول أكثر وكان إمامًا عالمًا بفنون وله اشتغال قديم وله قدم في العبادة والصلاح وكان لا يتردد إلى أحد والناس تتردد إليه من السلطان إلى من دونه. وكان يتهمه بعض الناس بمعرفة الكيميا أو طرف منها لأنه عمر طويلًا في أرغد عيش ونعمة ولم يقبل من أحد إلا نادرًا. وكان شيخًا منور الشيبة مفوهًا فصيحًا شاعرًا عالمًا صوفيًا ومات وسنه أزيد من تسعين سنة فيما أظن وهو متمتع بحواسه رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين تمرباي بن عبد الله التمربغاوي رأس نوبة النوب بالطاعون في يوم الأربعاء تاسع عشرين صفر وهو في عشر الستين. وكان أصله من مماليك الأمير تمربغا المشطوب نائب حلب ثم خدم عند الأمير ططر فلما تسلطن ططر جعله دوادارًا ثالثًا فدام على ذلك مدة إلى أن نقله الملك الأشرف إلى الدوادارية الثانية بعد موت جانبك الدوادار الأشرفي فباشر الدوادارية الثانية على الجندية أيامًا ثم أنعم عليه بإمرة عشرة ثم بعد مدة طويلة بإمرة طبلخاناه ودام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك العزيز يوسف ابن السلطان الملك الأشرف برسباي بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية تم صار نائب الإسكندرية مدة ثم عزل واستقر رأس نوبة النوب بعد انتقال قراخجا الحسني إلى الأمير آخورية فدام على ذلك إلى أن مات. وكان يعف عن المنكرات ويتصدق كثيرًا غير أنه كان عاريًا من كل علم وفن مع حدة خلق وبذاءة لسان رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين أركماس بن عبد الله المؤيدي الأشقر المعروف بالبواب أحد أمراء العشرات ورأس نوبة في يوم السبت سلخ شهر ربيع الآخر. وكان مهملًا غير متجمل في ملبسه ومركبه إلا أنه كان مشهورًا بالشجاعة والإقدام. وتوفي الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله المؤيدي الأمير آخور الثاني المعروف بسودون أتمكجي أي خباز في يوم الاثنين ثاني عشر شهر رجب وهو في عشر الخمسين أو أكثر. واستقر بعده الأمير يرشباي الإينالي الأمير آخور الثالث أمير آخور ثانيًا. وكان سودون المذكور شجاعًا مقدامًا عارفًا بأنواع الفروسية كريمًا حشمًا معظمًا في الدول وعنده تواضع وأدب رحمه الله تعالى فإنه كان من محاسن أبناء جنسه. وتوفي الأمير سيف الدين بيسق اليشبكي نائب قلعة دمشق بها في شعبان. وكان من مماليك الأتابك يشبك الشعباني وتأمر في دولة الملك الظاهر جقمق خمسة ثم عشرة ثم ولاه نيابة ثغر دمياط ثم نيابة قلعة صفد ثم عزله وأنعم عليه أيضًا بإمرة عشرة بمصر ثم ولاه نيابة دمياط ثم ولاه نيابة قلعة دمشق بعد موت شاهين الطوغاني إلى أن مات. ونعم الرجل كان ذا شجاعة وكرم وعقل وتواضع لا أعرف في اليشبكية من يقاربه في معناه رحمه الله تعالى. وتوفي شرف الدين يحيى بن أحمد بن عمر بن يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الشرف التنوخي الحموي الأصل الكركي المولد الشهير بابن العطار الشاعر المشهور في يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة. ولم يكن يحيى المذكور من الأعيان ولا ممن له عراقة ورئاسة لتشكر أفعاله أو تذم وإنما كانت شهرته بصهارة أخيه الأمير ناصر الدين محمد بن العطار لبني البارزي فغرف لهذا المعنى بين الناس. وكان له شعر ويكتب المنسوب بحسب الحال. وكان أولًا يتزيا بزي الجند وخدم دوادارًا عند الشهاب أستادار المحلة ثم عند القاضي ناصر الدين بن البارزي فلم ينتج أمره وعزل ثم بعد مدة ترك الجندية وتزيا بزي الفقهاء وخدم موقعًا عند الزيني عبد الباسط ناظر الجيش فملأه سبًا وتوبيخًا منذ مباشرته عنده إلى أن مل ذلك وترك التوقيع وانقطع إلى المقر الكمالي بن البارزي وصار يتردد إلى الأكابر ثم تردد في الدولة الظاهرية لخدمة أبي الخير النخاس ومات وهو ملازم لصحبته. وقد استوعبنا حاله بأوسع من هذا في " المنهل الصافي " وذكرنا من شعره نبذة كبيرة ونذكر منه هنا نبذة يسيرة ليعلم بذلك طبقته في نظم القريض فإنه كان لا يحسن غيره فمن شعره أهل بدر إن أحسنوا أو أساؤوا أهل بدر فليفعلوا ما يشاؤوا إن أفاضوا دمعي فكم قد أفادوا منة من ودادهم وأفاؤوا وعيوني إن فجروها عيونًا بدموع كأنهن دماء لا تلمهم على احمرار دموعي فلهم عندي اليد البيضاء أنا راض منهم وإن هم رضوني فسواء عندي القلى والقلاء يا نزولا في مهجتي في رياض من وداد أغصانها لفاء كل غصن عليه طائر قلبي صادح تقتدي به الورقاء صدحه كله حنين ووجد واشتياق ولوعة وبكاء منع السهد طيفكم ولحظي صار حتى من عندي الرجاء وعذولي يرى سلوي فرضًا أنا من رأيه علي براء يدعي في الهوى إخائي ونصحي ليت شعري من أين هذا الإخاء عينه عن محاسن الحب عميا - - ء وأذني عن عذله صماء الرحمن الفاسي الأصل المكي المولد والمنشأ الحنبلي قاضي قضاة الحنابلة بمكة بها في أواخر هذه السنة عن سن عال وكان سيدًا كريمًا متواضعًا رحل إلى بلاد الشرق غير مرة وأقبل عليه القان معين الدين شاه رخ بن تيمور وابنه ألوغ بك صاحب سمرقند وعاد إلى مكة بأموال كثيرة أتلفها في مدة يسيرة لكرم كان فيه وهو أول حنبلي تولى القضاء بمكة استقلالًا رحمه الله تعالى. وتوفي قاضي القضاة أمين الدين أبو اليمن محمد بن محمد بن علي أحمد بن العزيز الهاشمي العقيلي النويري الشافعي قاضي قضاة مكة وخطيبها في ذي القعدة عن نحو ستين سنة تخمينًا وهو قاض. وكان فاضلًا دينًا خيرًا خطيبًا فصيحًا مفوهًا كثير الصوم والعبادة مشكور السيرة في أحكامه فردًا في معناه لم أر بمكة المشرفة في مدة مجاورتي من يدانيه في الطواف وفي كثرة العبادة رحمه الله تعالى.
: الماء القديم سبعة أذرع وخمسة عشر إصبعًا. مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وثلاثة أصابع. السنة الثالثة عشرة من سلطنة الظاهر جقمق فيها كان الشراقي العظيم بمصر والغلاء المفرط المتداول إلى سنة سبع وخمسين وكان ابتداء الغلاء من السنة الخالية لكنه عظم في هذه السنة بوقع الشراقي وتزايد وبلغ سعر القمح إلى ألف درهم الإردب والحمل التبن إلى سبعمائة درهم وقس على ذلك حسبما نذكره في وقته على طول السنين. فيها توفي المسند المعمر شمس الدين محمد بن الخطيب عبد الله الرشيدي الشافعي خطيب جامع الأمير حسين بحكر النوبي خارج القاهرة في يوم الجمعة حادي عشر شهر ربيع الأول ومولده في ليلة رابع عشر شهر رجب سنة تسع وستين وسبعمائة. وكانت له مسموعات كثيرة وحدث سنين وتفرد بأشياء كثيرة ولنا منه إجازة. وكان شيخًا منور الشيبة فصيحًا مفوهًا خطيبًا بليغًا رحمه الله. وتوفي الأمير سيف الدين شاد بك بن عبد الله الجكمي أحد مقدمي الألوف بديار مصر ثم نائب الرها ثم حماة بطالًا بالقدس بعد مرض طويل في يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول وكان أصله من مماليك الأمير جكم من عوض نائب حلب وتنقل في الخدم من بعده إلى أن صار بخدمة الأمير ططر فلما تسلطن ططر قربه وأنعم عليه ثم تأمر عشرة بعد موته وصار من جملة رؤوس النوب ثم صار أمير طبلخاناه ثم ثاني رأس نوبة ثم ولي نيابة الرها ثم عزل بعد سنين وصار بالقاهرة على طبلخاناته إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية في أوائل دولته ثم نقله إلى نيابة حماة بعد سنين فلم تطل مدته على نيابة حماة وعزل وتوجه إلى القدس بطالًا ثم تكلم فيه فقبض عليه وحبس مدة ثم أطلق وأعيد إلى القدس بطالًا إلى أن مات. وكان متوسط السيرة غير أنه كان قصيرًا جدًا وعنده سرعة حركة وإقدام وله وجه في الدول رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين علي باي من دولات باي العلائي الساقي الأشرفي في يوم الثلاثاء تاسع عشرين شهر ربيع الأول وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني وكان أصله من مماليك الملك الأشرف برسباي اشتراه في سلطنته ورباه وأعتقه وجعله خاصكيًا ثم ساقيًا ثم أمره عشرة وجعله خازندارًا كبيرًا بعد إينال الأبو بكري الأشرفي بحكم انتقاله إلى المشدية بعد قراجا الأشرفي بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف ودام علي باي على ذلك إلى أن أنعم على الملك العزيز يوسف بإمرة طبلخاناه وجعله شاد الشراب خاناه بعد إينال الأبو بكري أيضًا بحكم انتقال إينال إلى الدوادارية الثانية بعد تمرباي التمربغاوي المنتقل إلى تقدمة ألف فلم تطل مدة علي باي بعد ذلك وقبض عليه مع من أمسك من خجداشية الأشرفية وغيرهم وحبس سنين ثم أطلق وأنعم عليه بإمرة بالبلاد الشامية وقدم القاهرة ثم حج وعاد إلى دمشق ثم قدم القاهرة ثانيًا ودام بها إلى أن أنعم عليه السلطان بإمرة عشرة ودام على ذلك إلى أن مات في التاريخ المذكور. وكان شابًا مليح الشكل طوالًا عاقلًا عارفًا بأنواع الفروسية خصيصًا عند أستاذه الملك الأشرف إلى الغاية لجمال صورته ولحسن سيرته. وأنعم السلطان بإقطاعه بعد موته على خجداشه تمراز الأشرفي الزردكاش فما شاء الله كان. وتوفي الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم الدمشقي الحنفي المعروف بابن عرب شاه في القاهرة بخانقاه سعيد السعداء في يوم الاثنين خامس عشر شهر رجب غريبًا عن أهله وأولاده. سألته عن مولده فقال: في ليلة الجمعة داخل دمشق في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. ونشأ بدمشق وطلب العلم ثم خرج إلى بلاد العجم في كائنة تيمور وأقام بتلك البلاد سنين كثيرة ثم رحل إلى الروم ثم قدم دمشق وتردد إلى القاهرة إلى أن مات بعد أن ولي عدة وظائف دينية وولي قضاء حماة في بعض الأحيان. وكان إمامًا بارعًا في علوم كثيرة مفننًا في الفقه والعربية وعلمي المعاني والبيان والأدب والتاريخ وله محاضرة حسنة ومذاكرة لطيفة مع أدب وسكون وتواضع وله النظم الرائق الفائق الكثير المليح وكان يقول الشعر الجيد باللغات الثلاث: العربية والعجمية والتركية وله مصنفات " الحمد لله الذي زين مصر الفضائل بجمال يوسفها العزيز جعل حقيقة مجاز أهل الفضل فحلى به كل مجاز ومجيز. أحمده حمد من طلب إجازة كرمه فاجتاز وأشكره شكرًا أوضح لمزيد نعمه علينا سبيل المجاز وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله يجيب سائله ويثيب آمله ويطيب لراجيه نائله وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد من روى عن ربه ومن روي عنه والمقتدى لكل من أخذ عن العلماء وأخذ منه صلى الله عليه ما رويت الأخبار ورئيت الآثار وظهرت أذكار الأبرار في صحائف الليل والنهار وتابعيه وأحزابه وسلم وكرم وشرف وعظم. أما بعد فقد أجزت الجناب الكريم العالي ذا القدر المنيف الغالي والصدر الذي هو بالفضائل حال وعن الرذائل خال المولوي الأميري الكبيري العالمي العاملي الأصيلي العريقي الفاضلي المخدومي الجمالي أبا المحاسن الذي ورد فواضله وفضائله غراس يوسف ابن المرحوم المقر الأشرف الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري الأتابكي المالكي المخدومي السفيري تنكري بردي الملكي الظاهري أعز الله جماله وبلغه من المرام مماته وهو ممن تغنى بلبان الفضائل وتربى في حجر قوابل الفواضل وجعل اقتناء العلوم دأبه ووجه إلى تدين الأحزاب ركابه وفتح إلى دار الكمالات بابه وصير أحرازها في خزائن صدره اكتسابه فجاز بحمد الله تعالى حسن الصورة والسيرة وقرن بضياء الأسرة صفاء السريرة وحوى السماحة والحماسة والفروسية والفراسة ولطف العبارة والبراعة والعرابة واليراعة والشهامة والشجاعة فهو أمير الفقهاء وفقيه الأمراء وظريف الأدباء وأديب الظرفاء فمهما تصفه صف وأكثر فإنه لأعظم مما قلت فيه وأكثر فأجزت له معولًا عليه أحسن الله إليه أن يروي عني ما لي من منظوم ومنثور ومسموع ومسطور بشروطه المعتبرة وقواعده المحررة عمومًا ". ثم ذكر ما له من تصنيف وتأليف وأسماء مشايخه ببلاد الشرق وبالبلاد الشامية وقد ذكرنا ذلك برمته في ترجمته في تاريخنا " المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي " أضربنا عن ذكره هنا خوف الإطالة فكان مما قاله في أواخر هذه الإجازة من النظم أبيات مع ما في اسم يوسف: الرمل وجهك الزاهي كبدر فوق غصن طلعا واسمك الزاكي كمشكا - - ة سناها لمعا في بيوت أذن الل - - ه لها أن ترفعا عكسها صحفه يلفى الحسن فيه أجمعا وتوفي الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله النوروزي المعروف بنائب بيروت بعد أن ابتلي وعزل عن نيابة صهيون وعاد إلى القاهرة فمات بالعريش. وكان أصله من مماليك الأمير نوروز الحافظي وممن تأمر - في دولة الملك الظاهر جقمق - عشرة ثم خرج إلى البلاد الشأمية وصار من جملة أمراء طرابلس ثم ولي نيابة صهيون فابتلي بداء الأسد واستعفى. وأراد قدوم القاهرة فمات في طريقه. وكان مشهورًا بالشجاعة لا بأس به. وتوفي الأمير سيف الدين سودون السودوني الظاهري الحاجب في يوم الأحد العشرين من شعبان وهو في عشر التسعين. وأصله من مماليك الملك الظاهر برقوق ثم تأمر بعد موت الملك الناصر فرج وصار في الدولة الأشرفية من جملة الحجاب ثم صار حاجبًا ثانيًا في الدولة الظاهرية جقمق ونفي غير مرة وهو يعود إلى دون رتبته أولًا ولا زال يتقهقر إلى أن صار من جملة الحجاب الأجناد. وكان شيخًا مسرفًا على نفسه مهملًا لم يشهر بتدين ولا شجاعة ولا كرم عفا الله عنه. وتوفي القاضي زين الدين عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم الدمشقي الأصل والمولد والمنشأ المصري الدار والوفاة ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية بطالًا بها في يوم الثلاثاء رابع شوال بداره في وقت المغرب بخط الكافوري ودفن من الغد بتربته التي أنشأها بالصحراء خارج القاهرة. ومولده بعد التسعين وسبعمائة أو في حدودها ونشأ بدمشق وخدم القاضي بدر الدين بن الشهاب محمود وبه عرف بين الناس ثم اتصل بخدمة الملك المؤيد شيخ وهو على نيابة دمشق ولازمه إلى أن قتل الملك الناصر وقدم معه إلى القاهرة وسكن بالقرب منا بالسبع قاعات وهو فقير مملق. فلما تسلطن الملك المؤيد شيخ قربه وأدتاه وولاه نظر الخزانة فانتقل من داره إلى دار أخرى بالقرب منها. ولما عظم أمره سألنا في السكنى في بعض دورنا فأجبناه إلى ذلك فسكنها عدة سنين ومن يومئذ أخذ أمر في نمو وزيادة وعظم في الدولة وعمر الأملاك الكثيرة ثم أنشأ مدرسته بخط الكافوري تجاه داره ثم ولي نظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية بعد عزل المقر الكمالي ابن البارزي في الدولة الظاهرية ططر. ولما ولي نظر الجيش بعد ابن البارزي قال المقريزي وتمثل بقول أبي العلاء المعري: الطويل ويا نفس جدي إن دهرك هازل ودام عبد الباسط في وظيفته نظر الجيش سنين وعظم في أوائل الدولة الأشرفية ثم أخذ أمره في إدبار عند الأشرف وهو يحسن سياسته لا يظهر ذلك ويبذل الأموال في رضى الأشرف بكل ما تصل قدرته إليه يعرف قولي هذا من كان له رتبة تلك الأيام وملازمة بخدمة الملك الأشرف برسباي مع أنه لم يصف له الدهر في خصوصيته عند الأشرف السنة الواحدة بل كان كلما زال عنه واحد انتشأ له آخر فالأول جانبك الدوادار الأشرفي كان عبد الباسط وغيره بين يديه كالأغنام في حضرة الراعي ثم انتشأ له البدر بن مزهر كاتب السر فحاشره فيما هو فيه وضيق خناقه إلى أن مات ثم جاءه الصفوي جوهر القنقبائي الخازندار فكان عليه أدهى وأمر ولا زال به حتى أوقعه في أمور وغرمات. ثم حمله الأشرف الوزر ثم الأستادارية فلا زال يحجل في الأستادارية مع ما يلزمه من الكلف مع ذلك إلى أن مات الأشرف وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف فقاسى في الدولة العزيزية خطوبًا من بهدلة المماليك الأشرفية له بكل ما تصل قدرتهم إليه واستعفى في تلك المدة غير مرة إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق وقبض عليه بعد أشهر وسجنه وصادره وأبرز ما كان عنده من الكوامن منه في الأيام الأشرفية حسبما ذكرناه في ترجمة الملك الظاهر جقمق فكان ما لقيه أولًا كالمجاز بجنب هذه الحقيقة ولسان حاله ينشد: " الكامل " ما إن وصلت إلى زمان آخر إلا بكيت على الزمان الأول ثم أطلق عبد الباسط بعد أن حمل جملة كبيرة من الذهب نحو الثلاثمائة ألف دينار حررناها في أصل الترجمة وتوجه إلى الحجاز ثم إلى دمشق ثم قدم إلى القاهرة مرة أولى وثانية استوطن فيها القاهرة إلى أن حج ثانيًا ومات في التاريخ المقدم ذكره. وكان عبد الباسط مليح الشكل متجملًا في ملبسه ومركبه وحواشيه إلى الغاية وله مآثر وعمائر في أقطار كثيرة معروفة به لا تلتبس بغيره لأننا لا نعلم من سمي بهذا الاسم قبله ونالته السعادة غيره. وكان له كرم على أناس وبخل على غيرهم وبالجملة إنه كان عد بآخرة من الرؤساء الأعيان على شراسة خلق كانت فيه وحدة مع طيش وخفة وجبروت وظلم على مماليكة وأتباعه مع بذاءة لسان وسفه زائد وشمم وجهل مفرط بكل علم وفن إلى الغاية رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين أركماس بن عبد الله الظاهري الدوادار الكبير بطالًا بالقاهرة في يوم الجمعة ثامن عشرين شوال وسنه زيادة على سبعين سنة. وأصله من أصاغر مماليك الظاهر برقوق وترقى في دولة الملك الظاهر ططر وصار نائب قلعة دمشق إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباي بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية ثم ولاه رأس نوبة النوب بعد القبض على الأمير تغري بردي المحمودي ثم نقله إلى الدوادارية الكبرى بعد مسك الأمير أزبك المحمدي ونفيه إلى القدس بطالًا فدام في الدوادارية إلى أن عزله الملك الظاهر جقمق ثم أخرجه بعد مدة إلى دمياط ثم استقدمه بعد سنين إلى مصر فأقام بها بطالًا إلى أن مات. وكان ساكتًا عاقلًا قليل الكلام فيما يعنيه وفيما لا يعنيه متوسط السيرة في غالب أحواله. كان لا يميل لخير ولا لشر ولا يتكرم على أحد ولا يطمع في مال أحد ولا ينهر أحدًا ولا يكرم أحدًا وقس على هذا في غالب أموره. وكان عاريًا مهملًا منقادًا في أحكامه إلى دواداره ورأس نوبته وموقعه فمهما قالوه طاوعهم فإن قصدوا الجنة سار معهم وإن دخلوا النار دخل معهم ومهما أشاروا عليه به لا يخالفهم. وكان إذا كلمه من لا يعرفه يظنه أنه قدم في أمسه من بلاد الجاركس لغتمة كانت في لسانه باللغة التركية فلعمري كيف يكون كلامه باللغة العربية! غير أنه كان متدينًا ويعف عن المنكرات والفروج رحمه الله تعالى. وتوفي قاضي القضاة ولي الدين محمد بن أحمد بن يوسف السفطي الشافعي قاضي قضاة الديار المصرية وصاحب العظمة في أوله والأهوال في آخره في يوم الثلاثاء مستهل ذي الحجة ودفن من الغد بعد أن مرض يومًا واحدًا وقد تقدم من ذكره وما وقع له نبذة كبيرة في ترجمة الملك الظاهر جقمق تعرف جميع أحوال بالقرائن ونذكر الآن من أحواله شيئًا يسيرًا من أوائل أمره إلى آخره على سبيل الاختصار. كان أصله من سفط الحناء بالوجه البحري من أعمال القاهرة ونشأ بالقاهرة وحفظ عدة متون وطلب العلم واشتغل في مبدأ أمره. وناب في الحكم عز قاضي القضاة جلال الدين البلقيني مدة سنين. ثم تنزه عن ذلك وتردد إلى الأكابر ومال إلى طلب الدنيا وتحصيل الدرهم واجتهد في ذلك مع ما ورثه من أبيه حتى أثرى وكثر ماله وصار كلما كثر ماله عظم حرصه إلى أن جاوز الحد من زيادة المال وعظم البخل حتى على نفسه وعياله. وكان دأبه الركوب على فرسه والتردد إلى الأكابر لشبع بطنه فكان من الناس من يأكل عنده ويتوجه إلى حال سبيله ومنهم من كان يأتي عنده ثم يأخذ بيده صحنًا من الطعام ويرسله إلى عياله من غير أن يستقبح ذلك وشوهد أخذه الطعام من بيت الصاحب بدر الدين بن نصر الله ناظر الخاص غير مرة. فلما تسلطن الملك الظاهر جقمق ترك السفطي من دونه ولزمه حتى عظم في الدولة وصار له كلمة نافذة وعظمة زائدة وتردد الناس إلى بابه لقضاء حوائجهم فنال بذلك من الوجاهة وجمع المال ما لم ينله غيره من أبناء جنسه كل ذلك وهو على ما هو عليه من الشح والطمع وسقوط النفس كما كان أولًا وزيادة فإنه كان أولًا لا يتوصل إلى مقصوده من الآخذ إلا بالتملق والإطراء وغير ذلك وقد صار الآن لا يأخذ إلا بالسطوة والمهابة والتهديد هذا من أعيان الدولة وأكابرها وأما ما أخذه من الأصاغر فكان على شبه أخذ الجالية. ثم تولى من الوظائف عدة كبيرة مثل نظر الكسوة ووكالة بيت المال على ما كان بيده من مشيخة الجمالية وغيرها من الوظائف الدينية. ثم ولي نظر البيمارستان المنصوري وتدريس قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه. ولما انتهى أمره تولى قضاء الشافعية بالديار المصرية بعد عزل قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر في يوم الخميس رابع ذي القعدة من سنة إحدى وخمسين وثمانمائة فأساء السيرة في ولايته لا سيما على الفقهاء ومباشري الأوقاف فإنه زاد وأمعن في أذاهم وبهدلتهم بالضرب والحبس والتراسيم وقطع معاليم جماعة كبيرة من الطلبة المرتبة على الأوقاف الجارية تحت نظره. ولقي الناس منه شدائد كثيرة وصار لا يمكن المرضى من دخول البيمارستان للتمرض به إلا برسالة ثم يخرج المريض بعد أيام قليلة. وأظهر في أيام عزه وولايته من شراسة الخلق وحدة المزاج والبطش وبذاءات اللسان أمورًا يستقبح ذكرها هذا مع التعبد والاجتهاد في العبادة ليلًا ونهارًا من تلاوة القرآن وقيام الليل والتعفف عن المنكرات والفروج حتى إنه كان في شهر رمضان يختم القرآن الكريم في كل ليلة في ركعتين وأما سجوده وتضرعه فكان إليه المنتهى. وكانت له أوراد هائلة دوامًا فكان بمجرد فراغه من ورده يعود إلى تسلطه على خلق الله وعباده ولا زال على ذلك حتى نفرت القلوب منه وكثر الدعاء عليه حتى لقد شاهدت بعض الناس يدعو عليه في الملتزم بالبيت العتيق في هدوء الليل. فلما زاد ذلك منه سلط الله عليه أقل خلقه أبا الخير النحاس مع توغر خاطر السلطان عليه في الباطن فلا زال أبو الخير يذكر للسلطان مساوئه ويعرفه معايبه إلى أن كان من أمره ما ذكرناه في أصل هذه الترجمة من العزل والمصادرة والحبس بالمقشرة والاختفاء المدة الطويلة ثم ظهوره بعد نكبة النحاس إلى أن مات عفا الله عنه. وقد ذكرنا أحواله في تاريخنا " حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور " مفصلًا باليوم والوقت وذكرناه أيضًا في " المنهل الصافي " بأطول من هذا فلينظر هناك. وتوفي العلامة قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء محمد ابن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد ابن الشيخ الإمام العلامة ضياء الدين محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن يوسف بن إسماعيل الصاغاني الأصل المكي المولد والدار والوفاة الحنفي المذهب قاضي قضاة مكة وعالمها ومفتيها ومصنفها في تاسع عشرين ذي القعدة. وتولى أخوه أبو حامد القضاء من بعده. وكان مولد القاضي بهاء الدين في ليلة التاسع من محرم سنة تسع وثمانين وسبعمائة بمكة ونشأ بها وطلب العلم واشتغل حتى برع في عدة علوم وأفتى ودرس وصنف وأفنى عمره في الاشتغال والإشغال. حكى لي الشيخ أبو الخير بن عبد القوي قال: أعرف القاضي بهاء الدين نحو الخمسين سنة وأزيد ما دخلت إليه فيها إلا وجدته إما يكتب أو يطالع رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين تغري برمش بن عبد الله الزدكاش اليشبكي أحد أمراء الطبلخانات وزردكاش السلطان بمكة في أواخر هذه السنة وسنه نيف على الثمانين سنة. وخلف مالًا كبيرًا وأملاكًا كثيرة معروفة بأملاك الزردكاش. وكان توجه إلى مكة المشرفة مجاورًا. وأصله من مماليك الأمير يشبك بن أزدمر وترقى من بعده حتى صار أمير عشرة ثم زردكاشًا في الدولة الأشرفية برسباي ودام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بزيادة على إقطاعه وجعله من جملة أمراء الطبلخانات إلى أن مات. وكان مسرفًا على نفسه غير أن له غزوات كثيرة من الفرنج ومات بتلك البقعة الشريفة فلعل الله يغفر له ذنوبه بمنه وكرمه. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وخمسة عشر أصبعًا. مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وسبعة أصابع وهي سنة الشراقي العظيم.
|